خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير : فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها ، للدكتور خالد بدير ، بتاريخ 16 ذو الحجة 1443هـ، الموافق 15 يوليو 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 يوليو 2022م ، للدكتور خالد بدير : فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها:
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 يوليو 2022م ، للدكتور خالد بدير: فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 يوليو 2022م ، للدكتور خالد بدير : فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 15 يوليو 2022م ، للدكتور خالد بدير : فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها : كما يلي:
أولًا: الحكمةُ مِن خلقِ الإنسانِ
ثانيًا: غاياتُ ومقاصدُ الفرائضِ
ثالثًا: التطبيقُ العمليُّ لغاياتِ ومقاصدِ الفرائضِ
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 15 يوليو 2022م ، للدكتور خالد بدير: فرائض الإسلام غاياتها ومقاصدها : كما يلي:
خطبة بعنوان: فرائضُ الإسلامِ غاياتُهَا ومقاصدُهَا بتاريخ: 16 ذو الحجة 1443هـ – 15 يوليو 2022م
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليه وسلم. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
أولًا: الحكمةُ مِن خلقِ الإنسانِ
لقد خلقَ اللهُ الخلقَ ليعبدُوه ولا يشركُوا بهِ شيئًا، قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}( الذاريات: 56 – 58).
والناظرُ إلى القرآنِ الكريمِ يجدُ أنَّ عبادةَ اللهِ وحدهُ لا شريكَ لهُ، هي رسالةُ جميعِ الأنبياءِ عليهم السلامُ لأقوامِهِم، قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25)، وقد حكى سبحانَهُ وتعالى عن نوحٍ وهودٍ وشعيبٍ وصالحٍ، أنَّهم قالُوا لقومِهِم: { اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } ( الأعراف: 59)، وفرائضُ الإسلامِ الخمسةُ أصولٌ ثابتةٌ في جميعِ الشرائعِ، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ” ( متفق عليه ). فَحَقُّ اللِه على عبادِهِ أنْ يعبدُوه بهذهِ الفرائضِ، وفي المقابلِ إذا حققُوا العبوديةَ كانُوا بمأمنٍ مِن العذابِ، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ ، قَالَ : ” كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ ، يُقَالُ لَهُ : عُفَيْرٌ ، قَالَ : فَقَالَ: يَا مُعَاذُ ، تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ ؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللَّهَ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ، قَالَ: لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ” . [متفقٌ عليه].
إذًا فالحكمةُ مِن خلقِ الإنسانِ هي عبادةُ اللهِ وحدَهُ لا شريكَ له كما جاءَ في نصوصِ القرآنِ والسنةِ، على أنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى ليس في حاجةٍ إلى عبادتِنَا، فعبادتُنَا لا تنفعُ اللهَ ، كما أنَّ معصيتَنَا لا تضرُّ اللهَ ، وقد جاء في الحديثِ القدسيِّ:” يَا عِبَادِي, إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي, وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي, يَا عِبَادِي, لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ, كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ, مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا, يَا عِبَادِي, لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ, كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ, مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا, يَا عِبَادِي, لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ, قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي, فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ, مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي, إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ, يَا عِبَادِي, إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ, ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا, فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ, وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ, فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ”. (مسلم).
فمَن عَمِلَ صالحًا فلنفسِهِ، ومَن أساءَ فعلى نفسهِ أيضًا ؛ كما قالَ سبحانَهُ وتعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } . (فصلت: 46) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
ثانيًا: غاياتُ ومقاصدُ الفرائضِ
إنَّ الإسلامً لم يشرعْ الفرائضَ والعباداتِ بكافةِ صورِهَا طقوسًا ولا شعائرَ مجردةً مِن المعنى والمضمونِ، بل إنَّ كلَّ عبادةٍ تحملُ في جوهرِهَا قيمةً أخلاقيةً مطلوبٌ أنْ تنعكسَ على سلوكِ المسلمِ المؤدِّي لهذه العبادةِ، وأنْ تتضحَ جليًّا في شخصيتِهِ وتعاملاتِهِ مع الغيرِ، وأيضًا فيما يرسمُهُ لذاتهِ مِن إطارٍ يحرصُ على الالتزامِ بهِ ولا يحيدُ عنه.
إنَّ كثيرًا مِنَّا يخطئُ حينما يفصلُ العبادةَ عن السلوكِ، ولم يصبحْ هدفُ الناسِ إلَّا التعبدَ دونَ أدنَى اهتمامٍ بتحققِ الثمرةِ المرجوةِ مِن العبادةِ، ألَّا وهو حدوثُ تزكيةِ النفسِ!! ودائمًا تقرنُ نصوصُ القرآنِ والسنةِ الكلامَ عنهمَا.
ولو طوفنَا حولَ جميعِ العباداتِ لوجدنَا الهدفَ منها هو تهذيبُ الأخلاقِ وتزكيتِهَا، فالزكاةُ المفروضةُ- مثلًا – ليستْ ضريبةً تؤخذُ مِن الجيوبِ، بل هي أولًا غرسٌ لمشاعرِ الحنانِ والرأفةِ، وتوطيدٌ لعلاقاتِ التعارفِ والألفةِ بينَ شتَّى الطبقاتِ، وقد نصَّ القرآنُ على الغايةِ مِن إخراجِ الزكاةِ بقولهِ: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}. [التوبة/103]، حيثُ تنظيفُ النفسِ مِن أدرانِ النقصِ، والتسامِي بالمجتمعِ إلى مستوى أنبلَ وأرقَى، والمقصودُ هنا تطهيرُهُم مِن ذنوبِهِم التي لا بدَّ أنْ تقعَ منهم، حيثُ الصدقةُ تطفئُ الخطيئةَ كما يُطفئُ الماءُ النارَ، ومِن أخلاقِ الزكاةِ أيضًا النهيُ عن المنِّ في العطاءِ، فإذا أعطيتَ المحتاجَ مالًا ثم مَننتَ عليه فقد أبطلتَ صدقتَكَ، وهكذا تكونُ للزكاةِ علاقةٌ وطيدةٌ بغرسِ القيمِ والأخلاقِ والتراحمِ بينَ أفرادِ المجتمعِ ولهذه الغايةِ العظمَي فُرضتْ زكاةُ الفطرِ في رمضانَ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:” فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ” [ أبو داود وابن ماجة ] ، وكلُّ هذه معاني وأخلاقٌ نبيلةٌ يطهرُ بها الشرعُ أفرادَهٌ ظاهرًا وباطنًا.
وفي الصلاةِ، تأتي الحكمةُ العُليا منها في قولهِ تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}. (العنكبوت: 45)، فأنتَ مأمورٌ في أداءِ الصلاةِ في جماعةٍ، لكي تحتكَّ بالناسِ وتتفاعلَ معهم وتربطكَ بهم صلاتٌ وتوادٌّ وتراحمٌ، فضلًا عن أنَّ الصلاةَ تنهَى عن الفحشاءِ والمنكرِ، فالفحشاءُ والمنكرُ هما جماعُ الأقوالِ البذيئةِ والأفعالِ السيئةِ، وهما لا يظهرانِ إلّا في التعاملِ مع الناسِ في المجتمعِ.
وفي الصيامِ نعلمُ أنَّ رمضانَ هو شهرُ الأخلاقِ ومدرستُهَا، فهو شهرُ الصبرِ، وشهرُ الصدقِ، وشهرُ البرِّ، وشهرُ الكرمِ، وشهرُ الصلةِ ، وشهرُ الرحمةِ، وشهرُ الصفحِ، وشهرُ الحلمِ، وشهرُ المراقبةِ، وشهرُ التقوى، وكلُّ هذه أخلاقٌ يغرسهُ الصومُ في نفوسِ الصائمين، وذلك مِن خلالِ قولهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. ( البقرة : 183) ، بكلِّ ما تحملُهُ كلمةُ التقوى مِن دلالاتٍ ومعانٍ إيمانيةٍ وأخلاقيةٍ، ويربِّي الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلم الصائمين على أرفعِ القيمِ الخلقيةِ وأنبلِهَا حيثُ يقولُ: “الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ” (البخاري ومسلم)، فالصومُ جنةٌ أي وقايةٌ مِن جميعِ الأمراضِ الخلقيةِ، ويفسرهُ ما بعدَهُ ” فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ” فإن اعتدى عليكَ الآخرون بسبٍّ أو جهلٍ أو أذى فقلْ: ” إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ” وليس هذا على سبيلِ الجبنِ والضعفِ والخوَرِ، بل إنَّها العظمةُ والسمو والرفعةُ التي يُربي عليها الإسلامُ أتباعَهُ، وسواء كان هذا القولُ تلفظًا صريحًا، أو كان تذكيرًا داخليًا لنفسهِ بأنُّه صائمٌ، فكلاهُمَا فيهِ: تذكيرُ النفسِ بحفظِ الصيامِ مِن اللغوِ الذي قد يفسدُهُ، وفيه نوعٌ مِن أنواعِ الصبرِ الكثيرةِ التي تجتمعُ في الصيامِ. والمعني: أنِّي في غايةِ التقوى والتحلِّي بأخلاقِ الصيامِ، ولا ينبغِي لي أنْ أفسدَ صومِي بالردِّ عليكَ بهذه الأقوالِ البذيئةِ، فإذا حاول إنسانٌ استفزازكَ بما يحملُكَ على ردِّ إساءتهِ، ومقابلةِ سبِّهِ بسبٍّ، فعليك أنْ تدركَ أنَّ الصومَ يحجزُكَ عن ذلك؛ لأنَّه جنةٌ ووقايةٌ مِن سيءِ الأخلاقِ.
وفي الحجِّ يغرسُ القرآنُ أسمَى المعاني الأخلاقيةِ في نفوسِ الحجاجِ والمعتمرينَ مِن خلالِ قولهِ تعالى: “الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ” [البقرة/197]، فقد يظنُّ الإنسانُ أنَّ السفرِ إلى البقاعِ المقدسةِ رحلةٌ مجردةٌ عن المعاني الخلقيةِ، بل أنتَ مأمورٌ بضبطِ الأخلاقِ أثناءَ الزحامِ، كما يجبُ عليك أنْ تجتنبَ الرفثَ والفسوقَ والجدالَ والخصامَ في الحجِّ، فضلًا عن غرسِ قيمِ الصبرِ وتحملِّ المشاقِّ والمساواةِ بين الغنيِّ والفقيرِ والتجردِ مِن الأمراضِ الخلقيةِ.
هذا العرضُ المجملُ لبعضِ العباداتِ التي اشتهرَ بها الإسلامُ، وعرفتْ على أنَّها أركانُهُ وفرائضُهُ الأصيلةُ، نستبينُ منهُ متانةَ الأواصرِ التي تربطُ الدينَ بالخلقِ، إنَّها عباداتٌ متباينةٌ في جوهرِهَا ومظهرِهَا، ولكنَّهَا تلتقِي عندَ المقصدِ والغايةِ التي رسمَهَا الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلم في قولهِ: “إنَّما بُعثتُ لأتممَ صالحَ الأخلاقِ“؛ لأنَّها كلَّهَا شُرعتْ مِن أجلِ الأخلاقِ كما دلَّلْنَا على ذلك بشواهدَ صحيحةٍ مِن القرآنِ والسنةِ.
فالصلاةُ والصيامُ والزكاةُ والحجُّ وما أشبهَ هذه الطاعاتِ مِن تعاليمِ الإسلامِ هي مدارجُ الكمالِ المنشودِ، وروافدُ التطهرِ الذى يصونُ الحياةَ ويُعلى شأنَهَا، ولهذه السجايا الكريمةِ التي تنشأُ عنها أعطيتْ منزلةً كبيرةً في دينِ اللهِ، فإذا لم يستفدْ المرءُ منها ما يُزكِّى قلبهُ وينقِّى قلبهُ! ويهذبُ باللهِ وبالناسِ صلتهُ فقد هوى.
إنَّ العبادةَ هي علاقةٌ بينكَ وبينَ ربِّكَ، أمَّا السلوكُ فهو علاقةٌ بينكَ وبينَ الناسِ، ولابدَّ أنْ تنعكسَ العلاقةُ بينكَ وبينَ ربِّك على العلاقةِ بينكَ وبينَ أفرادِ المجتمعِ، فتحسنهَا وتهذبهَا.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
ثالثًا: التطبيقُ العمليُّ لغاياتِ ومقاصدِ الفرائضِ
ينبغي على كلِّ مسلمٍ أنْ يطبقَ الغاياتِ والمقاصدَ مِن هذه الفرائضِ والعباداتِ عمليًّا على أرضِ الواقعِ، حتى يكونَ مثالًا يُحتذى بهِ في أفعالهِ قبلَ أقوالهِ؛ لأنَّ الفعلَ أبلغُ مِن القولِ، وهناك حكمةٌ تقولُ: فعلُ رجلٍ في ألفِ رجلٍ خيرٌ مِن قولِ ألفِ رجلٍ لرجلٍ، ومعناهَا: أنَّ الأفعالَ أقوى تأثيرًا مِن الكلامِ. فلو أنَّ رجلًا فعلَ موقفًا أخلاقيًا يدلُ على الأمانةِ مثلًا سيكونُ أقوى بشدةٍ في آلافِ الناسِ مِن ألفِ محاضرةٍ يلقيهَا إنسانٌ عن الأمانةِ. وما أجملَ قولُ أحدهِم: “ لا تُحدثنِي عن الدينِ كثيرًا ، ولكنْ دعنِي أرى الدينَ في سلوكِكَ وأخلاقِكَ وتعاملاتِكَ “ .
أمَّا مَن يؤدِّي الفرائضَ والعباداتِ مِن صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وحجٍّ وغيرِهَا، ولم يتحققْ فيه المقصدُ والغايةُ مِن هذه الفرائضِ، فلا شكَّ أنَّ هذه العباداتِ تصيرُ هباءً منثورًا ، وهذا هو المفلسُ ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ” أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ”(مسلم) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ” هِيَ فِي النَّارِ ”، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ” هِيَ فِي الْجَنَّةِ ” . (أحمد وابن حبان والحاكم وصححه).
وهكذا يظهرُ لنا بجلاءٍ أنَّ العباداتِ لا يمكنُ أنْ تؤتِى ثمرتَهَا المرجُوّةَ إلَّا إذا ظهرَ أثرُهَا في سلوكِ المرءِ وأخلاقهِ وتعاملهِ مع الآخرين، فمَن لم تنههُ صلاتُهُ عن الفحشاءِ والمنكرِ فلا صلاةَ لهُ، ومَن لم ينههُ حجُّهُ وصومُهُ عن اللغوِ والرفثِ والفسوق فما انتفعَ بحجٍّ ولا بصيامٍ …..وهكذا
اللهم اهدنا لأحسنِ الأخلاقِ فإنَّه لا يهدي لأحسنِهَا إلَّا أنت، واصرفْ عنها سيئَهَا فإنَّهُ لا يصرفُ عنا سيئهَا إلَّا أنت ؛؛؛
الدعاء…….. وأقم الصلاة،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف